
كوني له خديجة
بقلم أم عائشة


كلمات أُشْعِلُهَا لعلّها تُضِيءُ دربا استغرق في ظلمات النماذج الفاسدة سِنِيناً طِوالاً ..
---------------
في الأربعينيات من عُمرها.. تتزوّج شابا ذا الخامسة والعشرين..
شابا في مقتبل العمر .. ذا حسب ونسب، عُرِفَ في قومه بالصدق والأمانة.. وجيه في قومه، شريف في أصله ، مضيءٌ وجهه كالقمر، جمع بين جمال الخِلقة وقوة البِنْية.. وبين محامد الأوصاف وكرائم النعوت باختصار شديد: رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
رجل لم يختلف على عظمة شخصه اثنان في مكة..
وكان من نصيبها..
...ثم تمرّ به صلّى الله عليه وسلّم لحظات عصيبة.. لحظات الوحي الأولى في غار حراء وهو يتعبّد، لحظات من شدتها رجف فؤاده صلّى الله عليه وسلّم.. انطلق حينها إلى خديجة .. حتى إذا بلغ حجرتها أحسّ أنه وصل إلى مأمنه صلّى الله عليه وسلّم.. فقال : "زمّلوني زمّلوني" فزمّلته حتى ذهب عنه الروع.. ثم قال لها: " لقد خشيت على نفسي"!
أسطر قليلة بين طياتها فوائد عظيمة.. لو سَكَبْتُ كلّ حبري ما أمكنني حصرها.. فشخص خديجة رضي الله عنها، بستان غطّت سطحه أبهى وأندى الزهور ، فارتأيت أن أقطف زهرة يفوح عبق أريجها حتى يصل إلى كل قارئ يهوى الطيّب من العطور ...
خديجة رضي الله عنها .. كانت ذاك الحُضن الذي لم يلجأ زوجها لغيره لتُواسيه..
خديجة... كانت ذاك السند الذي يُعوّل عليه في الشدائد قبل الرخاء..
خديجة كانت أوّل من قصدها زوجها وهو في أشدّ مِحَنِه ..
فأيّ سرّ هذا يختبئ وراء شخص خديجة رضي الله عنها يا ترى، حتى شرّفها الله جلّ في علاه بأن تَكُونَ ذاك الحِصْن الداخلي لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أختي الكريمة، إنّ أهمّ ما ميّز خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ،قدرتها العجيبة على التركيز على مميزات الغير دون العيوب والنقائص.
ذلك أنها لمّا أخبرها النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قد خشي على نفسه.. استدلّت في الحين بشمائله صلّى الله عليه وسلّم على أنّ مثله لا يُخزى أبداً .. فقالت بكل ثقة ويقين: " كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق"
نِعمَ الزوجة تلك، التي لا ترى إلا الوجه المشرق في زوجها لدرجة أنّها لا تذكر عند الشّدة إلا شمائله..
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بعد يوم شاق في الدعوة وتبليغ الرسالة، سرعان ما ينسى الألم والحزن.كيف لا ينسى وفي البيت خديجة تمسح بيدها الحانية على قلبه . لقد كانت – رضي الله عنها – امرأة بارعة صَنَاعٌ في إدخال السرور على زوجها والتخفيف عنه.
لقد ضُرب بها المثل في عفتها وطهارتها، وضُرب بها المثل في حكمتها ورجاحة عقلها وضُرب بها المثل في حصافتها وفطنتها..
ليس هذا فحسب ، بل لقد سلبت خديجة لُبّ قدوة الخلق وخير البرايا ، وملكت عليه شغاف قلبه كما لم تفعل أيّما امرأة مع زوجها ،حتى قاده حبّه لخديجة إلى أن يصدع به جهاراً بعد مماتها فيقول : "إنّي رُزقتُ حبّها"
إنها .. خديجة ... التي أقرأها المولى عز وجلّ السلام في حياتها قبل مماتها ..
فأيّ امرأة كانت رضي الله عنها وأرضاها !
تلك كانت كلماتٍ بسيطةً عن امرأة اجتمعت فيها صفات العطاء والكرم والحب والوفاء والجود والنبل والتضحية والبذل والعفاف والإخلاص والصدق والحكمة والعقل الرشيد الفطن..
خديجة بنت خويلد ذاك البستان الذي فاحَ عبيره فملأ كل الأرجاء بعبير الإيمان...
تلك كانت خديخة ...
-----------
*كلماتي الآن لكِ أخيّتي ... وإلى نفسي ألتفتُ قبل أن أخاطبكِ*
لو أنّ زوجك مرّ بفترات عصيبة، أ تُراه يلجأ إليكِ أوّلا؟ أواضعٌ هو كلّ ثقته فيكِ حتى يشرككِ في أهمّ القضايا التي تشغل باله؟ أم أنّك "مَتْنُ نصٍّ أنتِ حاشيته"؟
أو أنّك بالنسبة له محنة وشدة يفرّ منكِ إلى غيرِكِ ؟!
لو طُلِبَ منكِ أن تعددي صفات زوجك، أيها ستتبادر إلى ذهنك بسرعة وبدون تفكير: مميزاته أم عيوبه ؟ لعلّ المتوقّع أن تقولي عيوبه..
فلا أنا ولا أنتِ مثل خديجة ولا أزواجنا رُسُلٌ معصومون مثل المصطفى صلى الله عليه وسلّم.. صحيح،
ولكنَّ أَحْرَصَنَا على الاقتداء بهم أَرْجَحَنا لعيشِ حياةٍ طيبةٍ مثل حياتهم ! فهل من مُشمِّر؟
*همسة إليك يا غالية*
اعلمي أختي الغالية أنّ من أهمّ الوسائل التي ستعينك على معالجة الفتور في حياتك الزوجية التركيز على مميزات زوجك بغض الطرف عن نقائصه.. اشحني رصيد مشاعرك تجاهه تتحرك لكِ مشاعره ولابدّ! كوني مجالا رحبا لزوجك ولا تكوني نقمة تتسلّط عليه..
أمَا يرضيكِ أن يفتخر زوجكِ ويتباهى بكِ أمام الناس جميعا ؟ أمَا يسرُّكِ أن تكوني سَكَنَهُ الوحيد الذي لا يرتاح إلا فيه ؟ أما يُشَرِّفُكِ أن تخفضي الجناح لزوجكِ مرضاةً لربّكِ ؟
إذن فلتكن قدوتك خديجة ..
وإني على أتمّ اليقين ،لو أنّك اقتديتِ بخديجة في طاعتها لربّها بأن كانت نِعم المرأة لزوجها، لأشرقت لكِ الدنيا بأسرها، كما أشرقت لخديجة رضي الله عنها وأرضاها..
فيا ليتنا نقتدي بخديجة حتى تصفو لنا الحياة..